الائمة (ع) دعاة الوحدة الاسلامية
مؤتمر الوحدة الاسلامية طهران
لايختلف اثنان في اهمية وضرورة الوحدة والانسجام بين كافة المسلمين والتمسك بحبل الله المتين والعروة الوثقى التي لا انفصام لها والسير تحت ظلال القران الكريم وراية "لا اله الا الله محمد رسول الله ".
والسر في هذا الامر هو ان كل انسان مسلم غيور على دينه واسلامه وقرآنه يهتم بان يعلو الاسلام ولا يعلى عليه وان يكون الدين كله لله وتكون الغلبة للمسلمين على الكفار والمشركين والصهاينة المجرمين ، يرى ان هذه الامور لاتتحقق في الحارج الا من خلال التقريب بين المذاهب الاسلامية والوحدة بين صفوف المسلمين .
وقبل ان نبحث حول موقف ائمة الشيعة عليهم السلام بخصوص هذه المسألة ينبغي ان نذكر بعض النقاط لكي لايلتبس الامر :
الاولى : حينما ندعو الى الوحدة والتقريب ليس مقصودنا ان يتنازل اتباع كل مذهب عن عقائده وآراءه ومتبنياته فيصبح السني شيعيا او يصبح الشيعي سنيا بل كل يبقى على مذهبه واحكامه الفقهية المرتبطة بمذهبه ولانريد من التقريب اكثر من هذا .
الثانية : ان نحكم على آراء وعقائد وفقه وتفسير كل مذهب بما يراه ذلك المذهب ، لا ان نتقول عليهم وننسب اليهم امورا لا يرضونها ولا يتبنونها اصحاب ذلك المذهب .
فمثلا بالنسبة الى تحريف القرآن الكريم فالشيعة على الاطلاق يرون ان القرآن الكريم معجزة الاسلام الخالدة لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والله سبحانه وتعالى صانه من التحريف " انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون " اما ان نحمل الشيعة بانهم يعتقدون بتحريف القرآن فهذا ليس بصحيح وخلاف الواقع والحقيقة .
الثالثة : عدم استغلال الآراء والافكار والفتاوى الشاذة المنقولة في بعض الكتب في باب النوادر عند هذا المذهب او ذاك وثم الحكم عليه بانه يتبنى هذا الرأي كما فعل بعض من كان هدفه تمزيق وحدة المسلمين وضرب بعضهم بالآخر وكذلك ينبغي ان يعلم ان هناك افرادا في كل مذهب يقومون باعمال ومواقف تنافي الخلق الاسلامي والمبادئ الاسلامية ولاتحترم الرأي المقابل وعقائده بل يتحامل على هذا وذاك فهؤلاء لانحسبهم على المذهب مطلقاً .
الرابعة : ان يعترف كل مذهب بالمذاهب الاخرى بانها اسلامية ومرتبطة بالله سبحانه وتعالى وبالقرآن الكريم وان لا يكفر الطرف الآخر .
بعد ان اوضحنا هذه النقاط نقول ان ائمة اهل البيت عليهم السلام الذين هم خير الانام وقدوة واسوة لجميع المسلمين كانوا يهتمون بالوحدة والتعايش السلمي بين المسلمين وكانوا يحثون شيعتهم بالمشاركة في صلواتهم والحضور في مساجدهم ،وان يكون عيدهم واحداً وان يزوروا مرضاهم ويشيعوا جنائزهم ويوفوا بالعقود والعهود معهم قال الامام الحسن العسكري (ع) : (( صلوا في عشائرهم واشهدوا جنائزهم وعودوا مرضاهم وادوا للناس حقوقهم فان الرجل منكم اذا ورع في دينه وصدق في حديثه وادى للناس الامانة وحسن خلقه معهم وقيل هذا شيعي يسرني ذلك )) . حتى يبقى المجتمع الاسلامي مجتمعا قويا متماسكا وصفا واحدا كالبنيان المرصوص لكيلا يطمع اعداء الاسلام بهم واضعافهم وتشتت كلمتهم وتمزيق وحدتهم وبث سمومهم وافكارهم الفاسدة في مجتمعنا .
فعلى المسلمين في العالم الاقتداء باهل البيت عليهم السلام الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وتطبيق كلامهم وتوجيهاتهم الحكيمة لسعادة المجتمع والامة الاسلامية ولتقوية شوكة المسلمين امام الاعداء والكفار والاستكبار العالمي .
واذا تصفحنا التاريخ الاسلامي نرى ان ائمة اهل البيت عليهم السلام كانوا يفتون بوجوب الوقوف في عرفات والمشعر الحرام مع سائر المسلمين وان يكون عيدهم يوما واحدا وان كل من تسول له نفسه بان يخالف مواقف عامة المسلمين فعمله يكون باطلا وحجه غير صحيح .
ونرى ايضا في حياة الائمة المعصومين عليهم السلام مواقف وحدوية مع اعداءهم للحفاظ على وحدة الامة الاسلامية وعدم تفككها وتمزقها ، فقد وقف الامام السجاد عليه السلام مع الخليفة الاموي وعلمه كيفية ضرب النقود الاسلامية في مقابل ملك الروم الذي كان يهدد الخليفة بالحصار الاقتصادي والحاجة الى نقودهم ـ بالرغم من عداء الخليفة للامام (ع) ـ فانقذ الامام زين العابدين (ع) الخليفة الاموي بخطته الرائعة وتوجيهاته الحكيمة واحبط مؤامرات الكفر والالحاد والشرك المتمثل بملك الروم آنذاك .
فنعرف من سيرة الائمة (ع) ان مصلحة الحفاظ على الوحدة بين المسلمين من اهم المسائل وتقدم على سائر المصالح .
الحلقة الثانية:
ثم ان نقاط الاشتراك والمواقف المشتركة بين مذاهب المسلمين اكثر من نقاط الخلاف فالرب واحد والكتاب واحد والكعبة واحدة والقبلة واحدة والصلاة والصيام والحج والزكاة امور مشتركة بين سائر المسلمين كافة .
وعلى المسلمين ان يلبوا نداء الوحدة اسلامية التي تنطلق من مؤتمرات التقريب بين المذاهب الاسلامية لطرح قضايا المسلمين في العالم وحل مشاكلهم لاجل تقوية المسلمين واضعاف الكفار والمنافقين وافشال خطط المتآمرين على الاسلام والقرآن .
ومن الجدير بالذكر ان اليهود قتلة الانبياء والصهاينة المجرمين واسيادهم قاموا بقتل الابرياء من النساء والاطفال والشيوخ في ارض فلسطين المحتلة نتيجة لتمزق صف الامة الاسلامية وعدم اتحاد كلمتهم وموقفهم تجاه اسرائيل الظالمة التي تعبث في الارض فسادا فلو كان المسلمون في شتى ارجاء العالم يتحدون في الموقف ضد اسرائيل ويتركون الخلافات المذهبية لما امكنهم قتل المسلمين الشرفاء وهدم بيوتهم ومنازلهم ثم السيطرة على مقدرات امورهم واخضاعهم للجلوس على طاولة المفاوضات والتسليم للدول العظمى التي تساند وتدافع وتدعم اسرائيل بالسلاح والقوة ، والمسلمون اذا وقفوا وقفة واحدة تجاه الدعم الاميركي السياسي والاعلامي والاقتصادي والعسكري غير المحدود للعدو الصهيوني فان ذلك سيضطر امريكا لتغيير سياستها لاسرائيل الغاصبة وكما يضطر العدو الصهيوني الى ان يكف عن العدوان اللامحدود تجاه الشعب الفلسطيني المسلم ويتراجع عن موقفه المتعنت المعادي لجميع القيم والمثل والاعراف والمواثيق الدولية وقرارات هيئة الامم المتحدة كما انسحب بالامس من جنوب لبنان تحت ضربات المقاومة الاسلامية البطلة في ظل التفاهم والوحدة بين صفوف المسلمين .
ان حاجة الامة الاسلامية الى الوحدة والتقريب بين المسلمين في هذا الزمان اكثر واشد من أي وقت مضى لان حقن دماء الابرياء والشرفاء وايقاف المجازر الوحشية ضد الفلسطينيين الابرياء والوقوف امام اسرائيل المتغطرسة لايمكن الا بالوحدة والتماسك والانسجام والالتحام ورص الصف ونبذ التفرقة الطائفية البغيضة .
وقد افتى مراجع الشيعة العظام في العراق مستلهمين من توجيهات الائمة بوجوب الجهاد واخراج الاستعمار البريطاني تحت راية الحكومة العثمانية السنية المتعصبة المتشددة حفاظا على الاسلام بقطع النظر عن مذاهبه المختلفة.
وقد قال الامام الراحل الخميني قدس سره كلمة رائعة خالدة حول موضوع التقريب بين السنة والشيعة بانّ من يفرق بين الشيعة والسنة لاهو بسني ولاهو بشيعي بل هو عميل للاستعمار.
وقد جسد هذا الامام العظيم في حياته العملية هذا الموضوع وفقا لتعاليم اهل البيت عليهم السلام قبل انتصار الثورة وبعدها ، حيث افتى بجواز دفع الزكاة والحقوق الشرعية الى الاخوة الفلسطينيين السنة ودعمهم ماديا ومعنويا وأيّد المشاريع الوحدوية والتقريبية وكذلك خلفه الصالح آية الله العظمى السيد الخامنه أي دام ظله .
وبعد انتصار الثورة الاسلامية المباركة اعطى للاخوة السنة في ايران كامل الحرية في جميع المجات فلهم ممثلون في مجلس الشورى الاسلامي ولهم مساجدهم وحوزاتهم العلمية ومعاهدهم الخاصة بهم حتى خصصت الدولة الاسلامية ميزانية معينة للحوزات العلمية السنية في مناطق تواجدهم وقد عرف اخواننا السنة اهتمام الامام ودولته المباركة بهم فهتفوا (( لا شيعي لا سني قائدنا خميني )) ، ففي الجمهورية الاسلامية يدرس الفقه السني وآراءهم وعقائدهم في بعض الجامعات الاسلامية .
وكان يهتم ويطمح المرجع الشهيد الصدر بتدريس الفقه المقارن في حوزة النجف الاشرف بالاضافة الى تدريسه في كلية الفقه من قبل بعض علماء النجف الاشرف .
ولاينسى العالم الاسلامي الجهود التقريبية الحقيقية للمرحوم الامام كاشف الغطاء ومنعه لبعض الاعمال المنافية لروح الاسلام السمحة وخلقه الرفيع .
ونرى بوضوح هذه الروح العالية الرفيعة في احاديث اهل البيت عليهم السلام وفي رواة الاحاديث عنهم فان هناك مجموعة من رواة الاخبار عن ائمة الهدى من ابناء العامة ومقبولون عند جميع الشيعة وقد الف كبار علماء الطائفة بعض الكتب الفقهية تعرض من خلالها الى آراء السنة بالاضافة الى ان جميع كتب السنة منتشرة في اوساط الشيعة وفي مكتباتهم ومنازلهم وقل ان نجد مكتبة شيعية لايوجد فيها كتب العامة كل ذلك ببركة التوجيهات الحكيمة للائمة عليهم السلام.
الحلقة الثالثة:
والخلاصة اذا حذفنا بعض المتشنجين المتعصبين الذين يتهجمون على مدرسة اهل البيت عليهم السلام ويقومون بجمع الروايات الضعيفة النادرة التي لايعمل بها الشيعة ثم ينسبونها الى مذهب اهل البيت عليهم السلام ويفترون على هذه المدرسة الطاهرة ويقومون ببث الاكاذيب والاراجيف خدمة للمستعمر الكافر ولو لاشعوريا نرى ان عموم السنة وكافة الشيعة اخوة متحابين في الله وفي الاسلام ولايهتمون بهذه الاصوات الشاذة الخارجة من حناجر الحاقدين على الاسلام بل نرى احيانا ان اهل السنة يقفون بوجه هؤلاء المتعصبين ويؤلفون الكتب المفيدة في الرد عليهم حفاظا على الوحدة الاسلامية.
ونحن في الكويت اتحدنا ونبذنا التفرقة الطائفية البغيضة ببركة تعاليم اهل البيت حينما غزا بلدنا الحبيب زبانية صدام وجنوده وجيشه المجرم فلم يبق في الكويت سني ولاشيعي الا ووقف بكل شجاعة امام هذا الجيش الغازي حتى قتل مجموعة من ابناء المقاومة الكويتية واختلط الدم السني بالشيعي وامتزجت الدماء فاثمرت هذه الدماء الحمراء القانية واينعت ثمارها فخرج العدو البعثي من ارض الكويت يجر ذيول الخيبة والحرمان نتيجة للوحدة والاتفاق ورص الصفوف ولو كان الاخوة في الكويت يختلفون حول مسائل مذهبية وطائفية لما نصرهم الله على اعدائهم و نحمد الله على ان هذه الحالة موجودة في بلدنا والتعاون والانسجام والتلاحم ظاهرة محسوسة عندنا وجميع العلماء في الكويت يقفون امام الفتنة الطائفية البغيضة التي تحرق الاخضر واليابس وتوجب الفساد والتفرقة والتمزق والتفكك .
وقد حاول صدام ان ينفذ في الكويت من خلال تجزئة المجتمع والتفرقة الطائفية بين السنة والشيعة ولكنه لم يجد هذا الامر مطلقا فخاب ظنه .
ونشاهد في هذا الزمان ان الكفر العالمي ودول الشرك والالحاد والضلال تحاول القضاء على قوة المسلمين وشوكتهم وعظمتهم ومجدهم من خلال التفرقة الطائفية فعلينا جميعا الالتفات والحذر واليقظة من هذه الخطط الجهنمية والوقوف بحزم امام الشيطان الاكبر الذي بدأ بنشر افكار الطائفية والتفرقة المذهبية لايجاد الشرخ في جدار الاخوة الاسلامية والوحدة بين المسلمين حتى يسيطر ويهيمن على البلاد الاسلامية وينهب ثرواتها ويروج ثقافتها المعادية للاسلام .
واخيرا اقول ان من الضروري جدا اقامة المؤتمرات لغرض وحدة المسلمين وايقاظهم من سباتهم العميق ولتوسيع دائرة المحبة والاخوة ونسيان الخلافات والعمل في دائرة المشتركات في المواقف الجادة ضد الاستكبار العالمي والصهيونية العالمية واقترح ما يلي :
اولاً : محاسبة المتعصبين الذين يكفرون سائر المذاهب الاسلامية ويعتبرون انفسهم مسلمين فقط وكذلك الفحص والتفتيش عن اسباب ودوافع هذا الاندفاع نحو الطائفية والتكفير ونحن قد فحصنا في الكويت وراينا ان الذين هم وراء اتهام الشيعة وتكفيرهم وسب علمائهم وخصوصا تجاسرهم على رمز الاسلام الامام الخميني جماعة من المرتزقة الذين باعوا دينهم ولهم ارتباط بالنظام العراقي الكافر وغير مقبولين عند جميع المذاهب الاسلامية .
ثانيا : طبع كتب تقرب وجهات النظر بين المسلمين وتوضح لهم اراء ومتبنيات وعقائد كل مذهب من خلال كتبهم المعتبرة واقوال كبار علمائهم وكذلك طبع كتب الفقه والتفسير والحديث المقارن .
ثالثا : الاتحاد في المواقف السياسية للمسلمين حول قضايا مصيرية من خلال هذه المؤتمرات والدعوة الى توحيد الكلمة و توحيد الموقف ضد الصهيونية العالمية من خلال خطب الجمعة و مناسبات اخرى كذلك حول الموضوعات المطروحة عالميا كمشكلة العولمة وغيرها و مواجهة الغزو الثقافي الكافر المتميع وقضايا مهمة اخرى.
رابعا : الرجوع في موارد الخلاف المذهبية الى كتاب الله الكريم الثقل الاكبر والثقل الاصغر فان المسلمين اذا تمسكوا بهما لن يضلوا ابدا كما قال رسول الله (ص) في حجة الوداع .
اسال الله سبحانه وتعالى ان يحفظ بلدنا من كل سوء ومكروه وان يرحم شهدائنا الابرار ويفك قيد اسرانا الذين يعيشون في سجون العراق بحق محمد وآله الطيبين الطاهرين .. آمين رب العالمين